ما عدا يوم السبت

كل يوم الساعة حداشر، عم سمير بيفتح محل الجزم بتاعه .. المحل محشور في ممر صغير بيبص بالعافية على شارع من شوارع وسط البلد .. مساحة المحل تلاتة متر في اتنين متر ونص .. أول ما تدخل المحل هتلاقي في وشك مروحة كاريوكا قديمة بتزن شوية وبتترعش أول ما بتشتغل (زي ما يكون حد طلعها فجأة من قبرها)، تحت المروحة صورة مرسومة بالزيت لعم سمير لما كان عنده أربعين سنة (قبل ما يصلع) .. ع الأرض، تلات قصريات بلاستيك فيهم ورد صناعي مترب ومحني وباصص ع البلاط الأسمنتي في حزن، ما تعرفش ده من كتر شد أيادي العيال الصغيرة له زمان ولا من كتر النسيان .. في الناحية الشمال، هاتلاقي كنبة جلد كبيرة بتقول أن لونها زيتوني شلتتها غطسانة لتحت (كان عاملها كده مخصوص علشان يشوف خبايا الستات اللي كانت بتلبس جيب قصيرة لما تقعد عليها) .. جنب الكنبة، ترابيزة خشب صغيرة إزازها مكسور تلات حتت، بس هو مغطيها بكرتونة نتيجة من المقاولين العرب بتاعة سنة 87 .. على الترابيزة؛ تليفزيون أبيض وأسود قديم أربعتاشر بوصة لونه أحمر بإريالين (فيهم واحد مكسور) .. فوق التليفزيون طفاية سجاير على شكل قوقعة كانت اشتريتهاله مراته الله يرحمها زمان من راس البر وعلبة بخور وعلبة كبريت صفرا .. تحت الترابيزة الخشب؛ كرتونة صلصة قديمة بيشيل فيها السبرتاية وبراد الشاي والكنكة النحاس أم إيد سلك مبروم وتلات كوبايات إزاز ومعلقة صغيرة (فيهم كوباية بيد ملفوفة في ورقة جرنان؛ كانت مراته بتحب تشرب فيها لما تزوره) وبرطمانات (كانت بتاعة مربى) فيها بن وسكر وشاي (وفي كل برطمان معلقة ألامونيا صغيرة) وقرطاس فيه نعناع ناشف بيجيبه من البيت وطبقين بلاستيك وسكينة صغيرة تلمة وليفة مواعين وكيس مسحوق .. ورا الكرتونة دي فيه جحر نمل .. في الناحية اليمين (قدام الكنبة وفي نص الحيطة) مراية كبيرة في برواز خشب (هتلاقي بقايا أعواد بخور مغروسة في طرف البرواز) عرضها متر وربع وارتفاعها متر ونص، مليانة نقط سودا وشخاخ دبان وفيها شرخ عرضي ناحية اليمين من تحت؛ عم سمير لازقه بسلوتيب بني من العريض (طرف السلوتيب متني لبره ولونه أسود) .. على شمال المراية كرسيين خشب قواعدهم متنجدة بجلد بني بيلمع (كرسي منهم سفنج التنجيد طالع منه وهو ده اللي بيسلفه لإبراهيم الساعاتي لما حد بيزوره) وتحت الكرسي الشمال قلة فخار محطوطة في صينية ألامونيا ومتغطية بغطا بلاستيك كان بتاع علبة حلاوة طحينية .. على يمين المراية شوية كراتين جزم مرصوصين فوق بعض، ما فيهمش جزم (أول كرتونة بيخبي فيها الصابونة أم ريحة في كيسها ولبيسة الجزم)؛ بس هو حاططهم علشان يداري بيهم الرطوبة اللي ناشعة في الحيطة .. في ركن المحل؛ بعد كراتين الجزم الفاضية هتلاقي الحوض .. بوز الحنفية النحاس بتاعة الحوض مدلدل منه حتة كانت مقطوعة من خرطوم مشرشر لونها كحلي وطولها تقريباً عشرة سنتي (السواد ملا الفراغات اللي ف شرشرة الخرطوم من كتر الاستعمال والتراب)، ع الحوض حتة من صابونة غسيل نشفت وشققت من قلة الاستعمال .. تحت الحوض؛ جردل ألامونيا قديم بيجمّع فيه الميه اللي بتخر من شروخ الحوض .. عم سمير كل يوم بالليل قبل ما يقفل المحل؛ بيحط القلة في الحوض المشروخ تحت الحنفية اللي بتنقط علشان تتملي، اللي بيفيض من القلة بيخر في الجردل لحد ما يملا نصه تقريباً، الميه اللي في الجردل بياخدها عم سمير ويرشها قدام المحل ع العصرية .. كل يوم بالليل عم سمير بيعمل كده ما عدا يوم السبت؛ لأنه بيقفل المحبس قبل أما يروح علشان المحل بيبقى مقفول يوم الأحد.

تعليقات

  1. اول ما خلصت قراءة المكان كانت صورته مرسومة في دماغي بكل التفاصيل اللي قلتها

    ردحذف
  2. عم سمير دا راجل دماغه متكلفه
    وشكله مركون بقاله كتير فى المحل ده
    بس تعرف ساعات الواحد بيحس ان المحلات القديمة ليها روح خاصه بيها حتى لو كانت معمولة قبل مالواحد يتولد ب خمسين سنة :)
    وأثناء قرايتى للبوست كل حاجه إتكلمت عنها تخيلت إنها لو كانت جديدة زى مكان المحل متصمم لاول مره يا ترى كان هيبقى شكل المحل ايه
    والى عجبنى جدا فى عم سمير هو حفاظه على كباية زوجته وإلى أكيد كان بيحبها جدا
    هو بيحافظ على قد جهده ومقدرته
    وكل الى اقدر أقوله إنه زى مهو عجز وكبر المحل بتاعه كمان عجز معاه وبقوا عشرة عمر
    أكيد هو مرتبط بالمكان ده جدا وبيحاول يخبى التجاعيد الى ظهرت فيه (الرطوبة) علشان الزبون يبقى راضى عن المكان
    موضوع شيق وجميل بجد يستحق 5 نجوم
    مودتى وإحترامى
    شريف باشا

    ردحذف
  3. Heba el hady
    :))
    يا ألف أهلاً وسهلاً بحضرتك في زيارتك الأولى، شرفتينا يا فندم
    :))
    أسعدتيني جداً بتعليقك :) شكراً جزيلاً لذوقك ومرورك الكريم
    :))
    نورتينا

    ردحذف
  4. Gamal Abu El-ezz
    :))
    - تعليقك عجبني جداً يا جمال .. أكد لي رأيي في حرية أن كل واحد يشوف القصة بعينيه .. بالشكل اللي يعجبه ويشبعه ويرضي إحساسه وذوقه وفكره .. بالشكل اللي ما يقيدش خياله ويحصره في قالب أو فكر أو شكل أو أسلوب أو منطق أو نهاية معينة بالعكس يحرره من كل دول ويخليه يتأمل ويتخيل ويبدع.
    :))
    - أعترف أنك لقطت هنا جزئية ما كنتش واخد بالي منها خالص وأنا باكتب البوست وما انتبهتش ليها بصراحة إلا بعد ما نشرته وقريته النهارده (بيحاول يخبى التجاعيد اللى ظهرت فيه/ الرطوبة)
    :))
    - "الواحد بيحس أن المحلات القديمة ليها روح خاصه بيها" .. الله عليك .. أوافقك جداً على الرأي ده :)
    - "زى ما هو عجز وكبر المحل بتاعه كمان عجز معاه وبقوا عشرة عمر"
    :))
    - أسعدتني جداً بتعليقك اللي يستحق سبع نجوم يا كبير
    :))
    نورتنا

    ردحذف
  5. الوصف هايل تخيلته جدا على فكرة .. حاسة انى اعرف الشخصية عندنا حاجة شبهها :)

    ردحذف
  6. reemaas
    :))
    ربنا يكرم حضرتك يا دكتورة ويسعدك ويفرح قلبك زي ما فرحتينا بتشجيعك وتعليقك الجميل
    :))
    شرفتينا

    ردحذف