أليس من حق القمر أن يأكل ؟؟
كان القمر دسماً .. بوجه من حليب ! .. طفلاً مهده السماء ! .. بعد أن تثاءب للمرة الثانية .. استيقظ .. وكعادته دوماً عند الصحو داعب النجوم المدلاة في عنقه .. تفرحه رؤياها – لا يسمعها جيداً أول الأمر - وهي ترن في موسيقى هادئة خافتة مرحة : دينج دونج دينج دونج دينـ دينـ دونج دينج دونج ديـ .. ثم نظر إليها فصمتت ! .. كـأنه قد ضغط على زر خفي !
الغيمات دائماً يصلن في الميعاد كي يغتسل .. بالطبع هو لم يخطر بباله أبداً أن يسألهن لماذا هن شاحبات مجهدات ولسن مشرقات كشقيقاتهن السحابات ؟ .. ولا أراد أن يعلم المسافة التي يقطعنها كل يوم من عند ذلك الشلال حتى يصلن إليه ! .. ولا يعلم عدد الجبال والوديان والبحار والصحاري والغابات والأنهار الذين يتربصوا بهن كل مساء كي يأتينه بأمطار عذبة رقراقه منسمة ، في برودة الندى ودفء قلب البراعم ! .. ولكن لا يهم .. هن سعيدات لأجل القمر !
متعطرات يجئن إليه السحابات .. يمتزجن بعطور الكون حتى تصبح لكل منهن نكهة مميزة ! .. لافحة كرمال الصحراء .. ندية كموج البحر .. ذكية كرحيق الأزهار .. السحابات هن فطوره اليومي .. نديفات طازجة على صحون النسيم ! .. أليس من حق القمر أن يأكل ؟؟
ذلك اليوم !
استيقظ القمر في الضحى .. فلم يؤذن له بالخروج من ذلك الباب ! .. فغضب ! .. وعندما حاول التسلل ثانية في الظهيرة .. خسفته الشمس فبهت ! .. حاولت النجوم إلهاءه بأن غيرت موسيقاها إلى أخرى أكثر إيقاعاً وبهجة .. إلا أنه ركلها فتبعثرت فوق ملاءة السماء ! .. أتت الغيمات في ميعادها فأدار لها ظهره ! .. فرحلن آسفات حزينات محنيات متدثرات بالسواد .. حتى إنهن لم يرعدن عندما قامت الجبال والوديان والبحار والصحاري والغابات والأنهار بالتطاول عليهن ! .. فقط بكين بحرقة حتى ارتوت الأرض بدموعهن !
السحابات كن الأذكى ! .. انتظرن "المساء" وأخبروه بما فعل القمر ! .. المساء هو حكيم الكون ! .. الساهر الأبدي مع سكونه ووحدته ووحشته ! .. هو فراش المتعبين وتنهيدة المحبين ومعتكف القائمين وملهى الآبقين ! .. بعد أن أنصت المساء إليهن .. ابتسم .. ثم أرقدهن في عباءته العتمة بعد أن قبّلهن .. وأوصى الريح أن تؤرجحهن بخفة .. فنمن !
أتى المساء بالقمر .. ووقفا في شرفة الكون .. كان القمر شاحباً خجلاً .. فلم يستطع النظر للمساء !
قال : أريد أن أرى .. قبلات الفراشات للأزهار .. الطائرات الورقية وهي في أيدي الصبية تغني للسماء وتهبط في انكسار .. الشمس تلون وجنات المصطافين .. أريد أن أشم رائحة الطين مسقياً بعرق الفلاحين .. أريد أن أسمع أغنيات الطيور .. أريد أنـ .. ! .. وحاول أن يتذكر المزيد من التفاصيل النهارية ولكنه انخرط في البكاء .. فاحتضنه المساء في حنو بالغ .
بعد أن هدأ .. أشار له المساء أن ينظر .. فنظر القمر إلى حيث أشار المساء ولكنه لم يرَ سوى نافذة مغلقة ! .. ثم بدأ صوتاً عذباً يتسرب منها شيئاً فشيئاً : نحنا و القمر جيران .. ثم أشار له المساء إلى نافذة أخرى كانت مفتوحة .. فشاهد القمر وجه طفل ملائكي يبتسم وهو مستغرق في النوم .. كان صوت الأغنية قد بدأ يصله واضحاً .. بيته خلف تلالنا .. بيطلع من قبالنا .. بيسمع الألحان ! .. وبدون أن يشير له المساء نظر القمر إلى سطح أحد البيوت فوجد عروسان يحتفلان بزفافهما ومن حولهما الأقارب والأصدقاء والجميع سعداء .. نحنا و القمر جيران .. عارف مواعيدنا وتارك بقرميدنا أجمل الألوان ! .. وفي نافذة أخرى كان بعض الصبية يذاكرون سوياً على طاولة .. وابتسم القمرعندما لمح جندياً يقف خدمة في الصحراء وهو يكتب إلى حبيبته "حبيبتي وقمر لياليا ...." .. وياما سهرنا معه بليل الهنا مع النهدات .. ياما على مطلعه .. شرحنا الهوى وغوى حكايات ! .. وفي أحدى الحقول كان صوت "فيروز" ساطعاً متلألأً وكان القمر يغني معها : نحنا والقمر جيران .. لما طلّ وزارنا ع قناطر دارنا .. رشرش المرجان !
عندئذ اشتم القمر رائحة السحابات .. فقبلها برقة وسألها :
أليس من حق القمر أن يأكل ؟؟
****
* الصورة مأخوذة من الشرفة :)
:-)
ردحذفخيالها خصب قوي قوي قوي بجد
راااااائعة ورقيييقة جدا
جميييييييييله قوى قوووووووى يا باشا
ردحذفكنت باجى الاقى المدونه مش موجوده بتروح فين بس
وصف يقطر رقه وعذوبه
اسعدك الله
βent Pasha
ردحذفتسلميلي يا رب ويسلملي ذوقك يا قمري :-)
ليس فقيرا من يحب
ردحذفمتشكر بجد لذوقك وتشريفك الكريم لينا :)
كنا بنتجوز يا فندم :)
باحييكي على قصتك الأخيرة رائعة جداً .. في منتهى السلاسة والقوة بجد
شرفتيني
الصورة اللى من البلكونة :جميلة
ردحذفوالكلمات اللى قالها الباشا
اللى قاعد فى البلكونة
أجمل وأجمل واجمل
(كنا بنتجوز يا فندم :))
ردحذفأن كان صحيحا فمليون مبروك
وأن كان غير صحيح فربنا سبحانه
وتعالى يرزقك من فيض رزقه الكريم
norahaty
ردحذفمتشكر بجد لذوقك ربنا يكرمك يا رب
الله يبارك فيكي وجزاكي الله كل خير على دعائك :)
شرفتينا