تلاجة أمي والرز بلبن

إييييه .. دنيا غريبة يا زدحمد .. أمي عملت رز بلبن من شوية،، بعد ما غرفته في الأطباق،، سابته يبرد في أفضل موقع سياحي استراتيجي في الصالة،، ع الأرض قدام البلكونة مباشرة،، متأثرا بالرياح الفوقية الهابطة من مروحة السقف الهندية .. يا سعدك يا هناكي يا دي الأطباق .. أطباق كتير فضلة خيرك،، تقولش عليها ندر؟؟ .. ما علينا .. أمي عندها أطباق كتير ما شاء الله .. أهمهم عندها؛ كام طبق ميلامين كبار،، كان لونهم أخضر؛ بهت مع  نقوشهم بفعل الزمن،، دول أبناء البيت الأصليين اللي فتحت إيدي عليهم،،  الأطباق دي غالبا بتكون مخصصة لبابا،، الطبق فيهم،، تنزل تعوم فيه ما تجيبش آخره،، وعلشان غلاوتهم عندها شايلاهم في دهاليز أضابير المطبخ .. عندها  كمان  أطباق ستانليس صغيرة ومقعرة (بالظبط قد لما تضم سبابتينك وإبهامينك على بعض)،، مخصصين للرز بلبن .. وأول مادة في قانون عقوبات مطبخ أمي؛ بتجرم غسيل الأطباق دي بسلك المواعين،، أو تسخينها على البوتاجاز .. الأطباق دي وارد بيتنا في التمانينات،، تاريخ ميلاد الحكاية دي (سهم لتحت):
فاترينة جاتينيو أو الصالون الأخضر عرض طقم أطباق هدية على تـُرمس شاي ستانليس ياباني بالشيء الفلاني،، طبعا أمي اقتنصت الفرصة وجابته، "وآهو ينفع في المصايف والرحلات" (أيام ما كنا بنطلع مصايف وكده) وطبعا كنت أنا اللي باتدبس في شيله واحنا رايحين البحر رغم أني ما باشربش شاي،، المهم،، استعملناه تلات مرات بالعدد (أونلي ثري تايمز وحياتك)،، ومن ساعتها والتـُرمس مكفنا بأوراق الجرائد،، محنطا في نعشه الكرتوني بكامل حالته وأبهته والإستيكر اللي عليه،، يرقد داخل تابوت أمي الخشبي (اللي ما أعرفش إذا كان نيش ولا دولاب فضية ولا شوفونيرة ولا دولاب قصير ولا إيه بالظبط؟؟) فشر توت عنخ أمون في زمانه .. بابا قعد فترة يتريق ع الموضوع ده كل ما يشوف الأطباق: لا والله بس نفع التـُرمس أهه .. وو وكفاية كده علشان ماما ما بتحبش الموضوع ده.

الأطباق بردت،، أمي بدأت تشيلهم من ع الأرض علشان تحطهم في التلاجة،، فاكتشفت (زي ما بتكتشف كل ليلة) أن ما فيش مكان في التلاجة!!

تستسلم؟؟ عيب عليك،، أمي سواق بريمو ومعاها رخصة درجة أولى،، تعرف تركن أكبرها حلة في أصغرها زنقور بمنتهى السهولة وهي مغمضة عينيها،، معماري جبار،، تبني عمارة من صينية كفتة وبواقي رقاق باللحمة المفرومة غطاها مقلوب،، فوقيها حلة رز غطاها مقلوب برضه،، فوقيهم طبقين كبار (بامية وملوخية مثلا) متغطيين بأطباق مسطحة،، فوقهم طبق مخلل صغير،، وبالكيد في الأعادي،، تحبش لك حوالين حلة الرز (معلش انزل تاني أول دور فوق صينية الكفتة) بأشلاء خضار وفاكهة لقطاء وخضرة (شبت وبقدونس وكزبرة) ملفوفة في ورقة جرنان مبلولة علشان ما تدبلش،، كأنها جنينة بالظبط،، دول اللي بيبقوا في الواجهة (علشان الفيو)،، ورا الحلة بقى الإشغالات،، لو نقبت هتلاقيها دافسة ما تيسر من: قطمة من سندوتش طعمية في ورقة مزيتة من فطار يوم تلات في كاس العالم 90،، علبة فيها لحسة قد سـِنة الأفيون كده، لو عملت لها تحليل DNA هتكتشف أنها والمصحف الشريف كانت طحينة جايه مع سمك وجمبري أكلوهم زمان في شهر العسل،، حفرية لنص ليمونة مخللة بعصفر في ورقة كراسة (هي غالبا محتفظة بيها علشان كاتبة في الورقة رقم تليفون غالبا اتغير أو وصفة أكل ناوية تعملها من 40 سنة)،، ربع سندوتش بتنجان ميت على بطاطس مخشبة أشبه بأعواد السواك محتفظة بيه لأنه مرتبط عندها بذكرى حلوة،، شوية شنط وأكياس صغيرة جواهم شوية أكياس وشنط صغيرة مقفولين بباسوورد (فيهم نعمة ما حدش يعرف كنهها بعد ربنا غير أمي) لكن ما يصحش تبقى في وش اللي يفتح التلاجة،، كل ده من غير ما طبق يتدلدق أو يتلغوص من اللي تحتيه .. علشان كده طبيعي أن هي الوحيدة اللي تعرف تطلع الأطباق دي من مكانها .. يعني ساعات كتير بنبقى قاعدين جعانين وبنستحلب في صوابع رجلينا،، لكن ما حدش فينا يجرؤ يفتح التلاجة ويطلع أكل،، ليه؟؟ علشان ما حدش فينا بيحب يحرج نفسه،، ده غير أنه هيسمع له كلميتن مالهمش لزمة،، ولو عملت قرد مش هاعرف أرجع الحاجة زي ما كانت .. كنت ناوي أكلمك على الفريزر وباب التلاجة بس دول عاوزين كتاب لوحدهم.

--- فاصل قصير ثم نواصل (ممكن تخش الحمام على ما الإعلانات تخلص) ---

--- شفيتم ---

من أكتر الحاجات اللي بتمزجني،، مراقبة أمي وهي بترص الحاجة في التلاجة،، وسماع حكاياتها اللي بتخلقها من ما فيش .. بالمناسبة،، أمي حكاءة عظيمة .. لأنها غلبانة .. غلبانة جدا في الحقيقة .. جدا .. زي كل الأمهات .. لما بتحكي،، بيكون إخلاصها الوحيد لأبطالها،، بتمجدهم بطريقة مثيرة للدهشة،، بتحسهم وتكلمهم وتتواصل وتتفاعل معاهم وتشكي لهم  كأنهم بشر حقيقيين من لحم ودم. المفارقة،، أنها ما تعرفش ده .. خالص .. يعني  مثلا وهي بتطلع أحشاء التلاجة علشان تفضي مكان،، لازم تكون فيه حكاية .. ساعات ما بأعرفش هي بتكلم الحاجة بجد ولا بتنكشني وتلقح عليا؟؟ .. في الحالتين باتقلب لعيل صغير بيقعد مستني حكاياتها دي بفارغ الصبر،، بعدها أدخل أوضتي وأقفل على نفسي بالساعات وأحاول أقلد حكيها على الوورد،، لكن ما باعرفش .. بجد ما باعرفش .. فأخرج تاني علشان أسمع وأستمتع،، وأتفرج وأشبع،، وأبتسم وبس.

بعد ما طلعت شوية حاجات من التلاجة،، بصت بعينها كده ع المساحة الصغيرة اللي وفرتها في التلاجة (هي غالبا مساحة تشيل باكو نعناع بالعافية) وقالت لي: أجيب لك طبق وأرش لك عليه شوية قرفة؟؟ .. لأ .. ليه ما أنت بتحبه أول ما يتعمل؟؟ .. (بصراحة أنا كنت عايز بس فضولي في مراقبتها وهي بتحط أسطول الأطباق في التلاجة؛ لهاني) .. بعدين .. أنت حر .. تطلع طبق كبير م التلاجة وتحطه على طبق م الأطباق الصغيرة،، وبعدين تقوم مطبطبة بإيدها الشمال ع الطبق الصغير (اللي تحت) وتقول له كأنها بتشجعه: معلش أنت الكبير برضه،، تحط طبقين وتغطيهم بصينية وتحط فوقهم طبقين .. أمد رقبتي لقدام زي الزرافة وأبص ع المساحة الفاضلة وأقول لها وأنا باضحك: طب والباقي ده كله هتحطيه إزاي؟؟ .. تتجاهلني وتسكتني بإيدها وهي في طريقها لفلذات أكبادها اللي ع الأرض: اسكت أنت خليك في حالك،، تمد إيدها جوه التلاجة وهي بتمتم: يا بركة بسم الله الرحمن الرحيم .. تاخد طبقين وتمد دراعها وتدفسهم في شق جوه دهليز متفرع من  فجوة بين قعرين حلتين كبار وتقول لهم: خشوا هنا اتدفوا وأنا مش هافتن عليكوا .. تفضل على كده .. طبق .. طبقين .. طبقين .. طبق .. وأنا قاعد هتجنن،، هي التلاجة دي منفدة على شقة الجيران ولا إيه؟؟ .. تقفل باب التلاجة، ما يرضاش يتقفل .. ألاقيها فرصة شريرة للتشفي: ما قلتلك م الأول؟؟ ما سمعتيش الكلام عمالة تحشري فيها ولا كأنها .... تشاور لي من غير ما تبص لي: ششش،، تعرف تسكت؟؟ .. تطلع شنطة وحلة وصينية وتلخفنهم في بعض وبعدين تدخلهم تاني .. وأنا قاعد باراقبها في قلق .. وفجأة باب التلاجة يتقفل .. هيييييييه شيلتهم بقى ولا ما شيلتهمش؟؟ .. احم .. ما فيكوش إلا لسان وبس .. أتكتم.

قبل ما تدخل تنام تسألني وكأنها بتصالحني: أجيب لك طبق قبل ما أنام؟؟ .. أرد برخامة: لأ .. تطفي مروحة السقف: حرام تفضل تـِور كده طول اليوم، نرحمها شوية أحسن ما نلاقيهاش بعد كده .. يعني أفطس م الحر؟؟ أمال إحنا جايبينها ليه؟؟ .. مش من حقها ترتاح يعني؟؟ افتح البلكونة دلوقت الجو حلو، ما فيش أحسن من الهوا بتاع ربنا .. حاضر .. ويستحسن لو تطفي النور وتخش تنام تريح جسمك، "وجعلنا النهار معاشا" إنما أنتوا قلبتوا الآية .. خشي نامي يا ماما تصبحي على خير .. أنام؟؟ طيب .. تطفي النور وتروح على أوضتها .. أوووف أستغفر الله العظيم يا رب .. عظيم لما يبقى يسخطك، بتنفخ في وشي يا واد؟؟ .. وأنتي شفتيني إزاي والنور مطفي؟؟ .. يعني ما نفختش؟؟ بتكدب؟؟ .. أضحك .. أحسن، خليك قاعد في الضلمة طالما بتكدب .. أضحك .. شفت؟؟ بتضحك علشان عارف أنك بتكدب .. والله العظيم أنتي ما لكيش حل .. تضحك وهي بتقفل باب أوضتها .. أنده عليها: طب إيه؟؟ مش هاكل رز بلبن بعد كل ده ولا إيه؟؟ .. صمت .. طب طلعيلي طبق وخشي نامي .. ترد عليا من جوه: عندك في المطبخ طبق ليك وطبق لأخوك .. ؟؟ .. أدخل المطبخ ألاقي الطبقين، أقول بصوت عالي: يعني ما دخلتهمش كلهم أهه؟؟ .. تخرج من الأوضة وتدخل المطبخ بسرعة ما أقدرش أستوعبها وتشيل الطبقين من قدامي: أنا غلطانة .. خلاص يا ماما .. تفتح التلاجة وتدور على مكان فيها: أنا قلت أسيبهم بره بدل ما تفتحوا التلاجة وتبهدلوا لي الدنيا .. يا ستي خلاص حقك عليا .. يا سيدي لا حق ولا باطل خلاص خلصنا،، تقفل التلاجة،، وترجع تاني على أوضتها .. أكلمها من  بره: هاكله مع الملايكة ولا إيه؟؟ .. لا والملايكة أصلها هتجيلك وأنت مزعل أمك .. ما خلاص بقى يا ماما .. تتقل وما تردش .. يعني أفتح التلاجة وأبهدل لك الدنيا؟؟ .. صمت .. أخبط ع الباب .. يوووه، فيه طبقين عندك متغطيين تحت الكرسي اللي جنب التلاجة.
-----
صيف 2017 - شتاء 2019

تعليقات

  1. "هناك دائما مكان" .. الجملة دي بقت مبدأ عندي لما آجي أشيل الحاجة في التلاجة.
    (من فيلم Hotel Rwanda)
    D:
    عودا حميدا يا باشا :))

    ردحذف
  2. الله الله الله
    وحشتني حكاياتك اووي يا باشا
    مساءك بنفسج
    بالله عليك متحرمناش من هجايص تاني

    ردحذف
  3. باشا حبيب الملاين
    واحشنى كتير واتمنى تكون بخير
    بالنسبه للتلاجه فدى قدرات خاصه متدورش عليها لانها مبقتش موجوده خير زمان راح وانقضى هههه
    التلاجات كانت صغيره والخير كتير دلوقتى التلاجات كبرت والخير قل 😁
    ايامك جميلة

    ردحذف
  4. مسا السعادة والسكر الزيادة...
    اولا عاوزة أبلغك تحيات والدتى لأنها قرأت البوست ومعجبة جدا جدا جدا جدا جدا بالحكاية لذا لزم التنويه
    ثانيا فينك بس يا باشا من زمان
    ثالثا كمية الضحك اللى ضحكتها فصلتنى بجد
    رابعا عاوزة طبق رز باللبن لانى أعشقه وهو لسه نازل من على النار
    خامسا الست الوالدة فى الحدوته انا عاملة زيها تلاقى حاجات كده فوق بعضها ما تعرفش ايه النظام ده لدرجة ان والدتى تتعجب هو انا أرص الثلاجة كده ازاى مش هاقولك بقى على الفريزر وكاتبة ورق على بابه عشان اعرف ايه فى الرف اللى فوق وايه فى الرف اللى تحت دى قدرات سيدى الباشا 😅 مش اى حد يعرف يعملها
    ربنا يحلى ايامك وتكون بيضا لو اللبن وطعمها بمذاق الرز باللبن

    بلاش غياب عننا

    ردحذف
  5. * بنت باشا
    :))
    - بووم! .. أنا لما شفت الجملة تنحت والله .. حلوة وفي الجون، عجبتني حقيقي، وبمناسبة الفيلم فكرتيني باللي كان بيقو أن الفريزر ده مقبرة أكياس جماعية :D
    - "هناك دائما مكان"
    فعلا، بمثل تلك التدابير تـُسير المرأة العالم، العبقرية في أبسط صورها، لدرجة بتخلينا نقف مذهولين ومتنحين ومش عارفين نرد ولا نصد ولا نطلع حاجة من التلاجة :D
    يسعدك يا جميل ويفرح قلبك زي ما فرحتني بتعليقك الحلو
    نورتينا
    :)

    ردحذف
  6. * رحاب صالح
    :))
    يا صباح الورد والسعادة،، يا هلا يا هلا .. الله يجبر بخاطرك يا أستاذتنا ويسعدك ويبارك لك .. باعتذر جدا جدا عن الغياب والتقصير للناس كلها،، حقكوا عليا والله،، إن شاء الله نرجع وننتظم تاني،، من عيني حاضر،، المدونة والناس كلها وحشوني جدا .. بس عاوز حماس جماعي كده،، ولا أنا ماليش نفس أقرالكم يعني؟؟
    يومك جميل بإذن الرحمن
    نورتينا
    :)

    ردحذف
  7. * جمال بك أبو العز
    :))
    سمعتني وأنا بازغرط؟؟ منور الدنيا كلها يا عمنا،، ليك وحشة كبيرة جدا والله،، ربنا يطمننا عليك وتكون في أحسن حال بإذن الله
    أه والله يا جمال يا أخويا،، أه والله .. جبت الخلاصة في سطر .. هي البركة فعلا
    ربنا يبارك في أيامك ويجعلها كلها خير وبركة وسعادة إن شاء الله
    نورتنا
    :)

    ردحذف
  8. * زهراء
    :))
    - يا ألف مليون أهلا وسهلا،، شرفتونا ونورتونا والله .. يعني مش عارف أقول إيه بصراحة،، أخجلتيني بذوقك جدا والله يا زهراء،، تسلمي وتسلم مامتك،، ربنا يبارك لكم في بعض ويسعدكم ويحفظكم من كل سوء،، ويجعلنا عند حسن ظنكم دايما
    - الحمد لله يا زهراء،، شوية ظروف كده،، نسأل الله العفو والسلامة،، ربنا يطمننا عليكوا وتكونوا في أحسن حال بإذن الله
    - طبق واحد بس؟؟ ومامتك ما تاكلش يعني؟؟ عقابا ليكي احنا نجيبلها هي طبقين وأنتي لأ :D
    - دي قدرات خاصة طبعا ما أقدرش أتكلم. بالمناسبة،، كان فيه كتاب سمعت عنه،، تأليف واحدة أجنبية عملته عن تدابير / تصاريف المرأة المصرية في المنزل،، وعندي فضول كبير أوصل للكتاب ده،، بس بكل أسف ما أعرفش اسم الكتاب ولا المؤلفة،، ما سمعتيش عن حاجة شبه كده؟؟
    - ربنا يحلى أيامكم بالرضا والسعادة،، أطيب تحياتنا وسلامنا الكبير جدا ليكي ولكل أسرتك الكريمة
    نورتينا
    :)

    ردحذف
  9. هههه حلوة اووي الحكاية ربنا يستر وامك ماتقرهاش حتتحرم م الرز يامعلمم.......بس التلاجة دي بتتفكرني بمصر,,,,شايلة بلاوي

    ردحذف
  10. تركيب باشا
    :))
    منور الدنيا كلها يا معلمي، فينك؟ يا رب تكون بألف خير وصحة وسعادة إن شاء الله
    :)
    رز إيه بس يا عمنا!! أنت مش متابع الأخبار ولا إيه؟؟
    "الحكومة اتفقت مع اللولو" يا تركيب
    أه والله زي ما باقول لك كده
    :)
    شرفتني يا غالي

    ردحذف