راكب الأتوبيس



- قد يقف شخصاً ما لفترة طويلة منتظراً الأتوبيس الذي سيقله إلى منزله بعد عناء يوم طويل في العمل ، حتى يتملكه اليأس والإحباط والسخط ويفتك به الإجهاد والتعب لكثرة ما انتظر .. وأثناء انتظاره يظل يلعن كل الأتوبيسات التي تمر من أمامه والتي لا تذهب إلى منزله ! .. يظل ينظر في حقد إلى هؤلاء المحظوظين الجالسين على مقاعدهم في تلك الأتوبيسات .. وقد يشتم أحدهم في سره إذا ما رآه يتحاشى النظر إلى الواقفين على محطة الأتوبيس وكأنهم غير موجودين أصلاً أو كأنه – الجالس على مقعد في الأتوبيس – لم يكن مثلهم منذ قليل .. "ناس واطية صحيح" هكذا يصفهم !

 يأتي الأتوبيس أخيراً .. مزدحماً جداً كما هو متوقع .. يتهلل صاحبنا فرحاً لقدوم الأتوبيس .. ويكون شاغله وقتها أن يستقله بأية وسيلة حتى يذهب إلى منزله ويرتاح من عناء الوقوف .. بعد لحظات من الركوب .. ينسى الوقت الذي قضاه في الخارج في انتظار الأتوبيس .. ويبدأ في الشعور بالضيق والتعب من الزحام .. وأنه لن يقدر على الاستمرار في الوقوف هكذا وسط تلك الكتل البشرية المتلاحمة حتى منزله .. يصبح كل ما يتمناه وقتئذ أن يقل هذا الزحام قليلاً حتى يستطيع أن يقف في وضعية أفضل دون أن يحتك بأحدهم أو يتمايل عليه أحد ! .. يتمنى لو أنه استطاع أن يقترب في وقوفه من إحدى النوافذ حتى يستطيع أن يأخذ أنفاسه بحرية وأن يشعر بالنسيم المنعش يجفف عرقه !

 يخِف الزحام قليلاً .. ويقف صاحبنا في مكان ووضعية أفضل بكثير من التي كان ينشدها .. يستطيع الأن التنفس بحرية .. بل أن عرقه قد جف بفعل الهواء القادم إليه من النافذة .. وما أن يبدأ الشعور بالراحة حتى ينظر في حقد إلى الركاب الآخرين الجالسين على مقاعدهم في استرخاء ونشوة .. أولئك الذين ينظرون من النافذة لأشياء لا يستطيع هو أن يراها من مكانه هذا .. ويبدأ في لعن حظه العاثر الذي جعله يقف طويلاً في انتظار هذا الأتوبيس المزدحم وهو في قمة الإجهاد ثم جعله يقف أيضاً بداخله ! .. يشعر بأن كل هؤلاء الحمقى المترفين الجالسين على مقاعدهم لم يتعبوا قط مثلما تعب هو ، ولم يعانوا من ملل الانتظار وآلامه مثلما عانى .. كما أنهم مفرطوا الأنانية وعديموا الرحمة لأن أحداً منهم لم يتنازل له عن كرسيه ويقف بدلاً منه ! .. وهو الأحق منه في الجلوس !

 بعد أن يقتنص صاحبنا أول فرصة للجلوس .. ويجلس على مقعد بجوار النافذة .. يترك جسده المنهك يتهاوى ويأخذ الوضعية التي تريحه كيفما يتفق .. ويبدأ في مد رجليه ويشعر بالراحة والاسترخاء .. ينظر من النافذة في سعادة واهتمام على ذات التفاصيل التي رآها قبل ذلك آلاف المرات .. هي – التفاصيل - لا تسعده في حد ذاتها ، بل ما يسعده أنه يراها من خلال تلك النافذة التي تعب كثيراً حتى يستحق المشاهدة منها .. يسعده أيضاً أنه يستطيع أن يرى من مكانه هذا ما لا يستطيع الآخرون الوقوف في ذات الأتوبيس رؤيته حتى وإن كانت ذات التفاصيل المكررة .. لذا فعليه أن ينظر ويستمتع حتى وإن كان قد رآها آلاف المرات من قبل .. وحتى إن لم يكن مستمتعاً أو في حالة مزاجية لا تسمح له بالاستمتاع فعليه أن يصطنع الاستمتاع ولو على سبيل الاستخسار والعند في كل اللي واقفين ، بل قد يتمادى في إظهار مدى سعادته بما يمر أمام عينيه دون حتى أن يراه غيظاً في الواقفين بجواره .. أليس الجميع يفعل ذلك ؟؟ .. ينظر بتعالٍ وكأنما يستقل سيارة فارهة بسائق خاص .. ينظر حتى يتحاشى نظرات من هم وقوف بجواره في الأتوبيس المزدحم والذي يعرف جيداً فيما يفكرون .

  يقف الأتوبيس في إحدى المحطات فينظر صاحبنا في أسى مصطنع إلى أولئك التعساء الواقفين على محطة الأتوبيس ! .. يهز رأسه في امتعاض علامة الشعور بالأسف من أجلهم ! .. وكأن لسان حاله يقول لهم : "يا حرام ، مساكين والله !" .. ولكنه حتماً لن ينزل من الأتوبيس لأجل أحدهم .. وهل كان أحد قد نزل له من قبل ؟؟ .. يعلم أن غالبيتهم ينظرون إليه في حقد .. بل أن أحدهم يشتمه الأن في سره "ناس واطية صحيح" .. لذا سيوسع من الابتسامة المرسومة على فمه وينظر إلى الفراغ في سعادة وكأنه لا يراهم .

تعليقات

  1. هههههههههههههههههههههههههه
    هههههههههههههههههه
    وربنا إنت ماليكش حل ، المشهد موصوف تمام زي ما أكون واقفة فيه بالظبط ..
    ماشاء الله عندك قدرة عالية جدا ع الإبداع والإسهاب في الوصف..ربنا يحفظك ويحميك من كل سوء ويباركلي فيك يارب.

    فعلا "ناس واطية" ههههههه ، فيها إيه يعني لما كل واحد قعد شوية يتنازل عن الكرسي اللي قاعد عليه للي واقف ، ولا كأنه اشتراه.

    عجبتني أوي النهاية:
    ( بل أن أحدهم يشتمه الأن في سره "ناس واطية" .. لذا سيوسع من الابتسامة المرسومة على فمه وينظر إلى الفراغ في سعادة وكأنه لا يراهم ) لأ بجد تحفة .. حلو التنفيض ده.

    دمت لي مبدعاً يازوجي الحبيب

    ردحذف
  2. βent Pasha

    :))

    تسلميلي يا رب من كل سوء وشر وعين ، ربنا يحفظك يا رب ويباركلي فيكي اللهم آميــن

    وما الحياة إلا أتوبيس كبير وشوية محطات
    ناس واقفة وناس راكبة وطرق ومطبات
    وكله بأوان بس الكل مستعجل
    والكل مش عاجبه حاله م الحضرات .

    زوجــك

    ردحذف
  3. تسلم بجد ع الوصف الجميل جدا والتحليل الرائع ده ربنا يحفظك دايما

    بس بمناسبه الموضوع ده بقى انا فعلا بحب اقف فعلا فى الاتوبيس وببقى فرحان كمان ومستمتع جدا ولو قعدت بانتهز فرصه ان اى سيده او راجل عجوز او حتى بنت واقفه وجمبها ولاد وواقوم وتقعد مكانى

    حاجه كدا زى ما تقولوا انى لسه شباب وأأقدر اقف وعاوز لما يجى عليا الوقت اللى هاتعب فيه وهاكون عجزت الاقى شاب شهم وقتها يبقى يقف ويقعدنى مكانى

    كذب دوما من قال انى لست سعيد فالسعاده هى انى ترى كل جميل جميلا وتصنع من القبيح ما يؤنمن لك السعاده

    ردحذف
  4. وتتوالى الأيام ويتكرر مسلسل المواصلات

    ردحذف
  5. لبنى أحمد نور
    :))
    ربنا يكرمك يا أستاذة ويجازيكي كل خير إن شاء الله على تشريفك لينا وتعليقك الجميل


    أطيب تحياتنا

    ردحذف
  6. وائل ابراهيم

    :))

    يا باشا تسلم يا رب على تشريفك لينا وعلى ذوقك الراقي وتشجيعك الجميل ، منورنا حقيقي :)

    - بص يا أستاذي .. عن نفسي أفضل الوقوف في المواصلات بصفة عامة عن الجلوس .. لأن زي ما حضرتك ذكرت هاتلاقي كل شوية حد بيخبطك عشان تقف له :)

    - فيه حاجة افتكرتها كمــان مهمة جداً .. كنت سمعتها من واحد حرامي زمان .. لما تركب أتوبيس أو ميني باص وتسمع الكمسري أو الشخص المسئول عن جمع الأجرة بيقول : حد عاوز فكة مية / خمسين / عشرين يا حضرات .....

    تعرف إن فيه حرامي موجود في الأتوبيس ده !

    - لو الكمسري ده شريف ومحترم إذا هو بيقول كده علشان ينبه كل واحد ويخللي باله من محفظته :)

    - لو الكمسري ده بيقسم مع الحرامي .. فهو بيقول كده علشان يسهل مهمة الحرامي .. لأن اللي معاه فلوس صحيحة (ميات أو خمسينات ...) وعاوز يفكها هايحط إيده على محفظته أو شنطته أو جيبه .. من الآخر يعني معاه فلوس ، ويبقى هو ده الهدف اللي الحرامي المفروض يتوجه له ، بدل ما يسرق واحد مفلس :)))

    وخللي بالك من الستات أياها في الأتوبيسات .. فاهمني أنت هه ؟؟
    ههههههههههههههههههههههههه

    أقول لك ابقى اقرأ الغلاف بتاع رواية "وكالة عطية" لخيري شلبي وأنت تفهمني !

    نورتني يا أستـــاذ

    ردحذف
  7. E73
    :))

    مسلسل المواصلات عندنا حاجة كده زي مستر إكس :))

    مش ممكن تموت أبـــداً !!

    شرفتينا يا أستاذة بزيارتك الجميلة وتعليقك الراقي

    أطيب تحياتنا

    ردحذف
  8. فعلا عندك حق الحياة اتوبيس بس الحياه فى مصر اتوبيس نقل عام والحياه بره اتوبيس كمان من بتوع بره اللى محطاتهم مكيفه اعوذ بالله هى دى ناس اصلا
    احنا بس بتوع الاتوبيس
    ههههههه
    والله هم يضحك

    بجد كتير بقول ان اللى يصبر فى مصر هيدخل الجنه قبل الناس التانيين :)


    ربنا يرحمنااااااا


    دمت بخير

    ردحذف
  9. رؤى عليوة
    :))

    محطات مكيفة ؟؟
    هاتخللونا نحقد ع الناس اللي بره ليه ؟؟؟
    ياللا ربنا يصلح لهم حالهم ، مالناش دعوة D:
    ربنا يجعلنا من الصابرين يا رب :)

    شرفتينا بزيارتك الجميلة وتعليقك الجميل

    أطيب تحياتنا

    ردحذف
  10. يا اخي انت وصفت المشهد بمنتهى الدقه وكانك تتحدث بإسم المصريين جميعا!

    ردحذف
  11. هههههههههههههههههههههههههههه
    الصورة جامدة جدااااااا اختيار موفق بجد

    ابن عمى لسه مسافر بولندا من اسبوع مع زوجته ... وبيكلمنا من هناك يقولنا ان كل حاجه هناك مكيفة تكيف مركزى الشقق و المواصلات و كله

    الناس هناك متكيفة واحنا هنا لسه بندور نمشى العربيات بأيه ؟؟!!!

    وصفت المشهد ببراعة ... ربنا يزيد من ابداعك و يرزقك الذرية الصالحة يارب

    ردحذف
  12. لورنس العرب
    :))
    ربنا يعزك يا صديقي ويبارك فيك :)

    تعليقاتك بتفرحني دايماً بجد :)

    ما فيش أخبار عن الباشمهندس سيد ؟

    الجدع ده عليه غطسات توغوش !

    ربنا يطمننا عليه وعليك :)

    شرفتنا والله

    ردحذف
  13. جارة القمر
    :)

    على رأي نجم : هما حياتهم حلوة جميلة .. هما فصيلة واحنا فصيلة :)

    ربنا يعزك ويكرمك ويجازيكي كل خير إن شاء الله ، شرفتينا بزيارتك الكريمة وتعليقك الجميل :)

    أطيب تحياتنا

    ردحذف
  14. استاذى العزيز كعادتك بطريقه ساخره واسلوب قريب الى نفس تحكى مشكله من واقعنا للاسف..الصراحه ضحكت ولكن من مبدا شر البليه مايضحك ..ولن اتحدث لك عنك الاوتبيس الى هنا فى هولندافى كل موقف يكتب ساعه وصول الباص ولو تاخر دقيقتين نتافف والتكييف داخل الباصات لن اكمل خوفا من الحقد على الناس اللى بره ههههه بصراحه لا ادرى لماذا لا يتمتع الانسان العربى باابسط حقوقه وكان المسوول يدفع من جيبه وليس من اموال الشعب ..محبتى وتوليباتى

    ردحذف
  15. هم يضحك و هم يبكي
    عبرت بمنتهى الروعة عن حال ناس كتير اوي و معاناتهم اليومية علشان يلاقوا حاجة توصلهم لاشغالهم و يرضون باقل القليل رغم ان اقل حق ليهم وسيلة مواصلات مريحة
    "ناس واطية صحيح" هههههههههههههه رائعة جدا و الصورة تحفة
    تحياتي ليك

    ردحذف
  16. ههههههههههههههههههههههه
    لاء والحسرة بقي لما تركب الاتوبيس بتاعك اللي بيوصلك لحد البيت لان الموقف جمبك وتفضل واقف لحد ما توصل علشان كل اللى قاعدين رايحين معاك لاخر الخط اهئ
    والالعن بقي لما تزهق خالص وتركب ميكروباص وتنزل تمشي مسافه لحد بيتك
    بس فعلا وصفك للي قاعدين علي المحطه واللى في الاتوبيس فطسنى هههههههههههه

    ردحذف
  17. ghada issa
    :))
    "لو تاخر دقيقتين نتأفف" أنا مش عارف انتوا إزاي ساكتين ع التسيب ده :))
    احنا هنا بقى عندنا محطات للأتوبيس .. بس مش علشان يقف فيها .. لأ ! .. علشان ييجي عندها ويهدي (يبطأ من سرعته) تقوم الناس تجري وراه وتتشعبط :))
    وكمان عندكوا تكييف في الباصات ؟؟
    انتي بتغيظينا يعني ؟؟
    طب احنا بقى عندنا تكاتك (جمع توك توك) عندكوا منه في هولندا ؟؟؟؟
    مش عارف إزاي طايقين تعيشوا في البلاد دي بصراحة لكوا الله :))

    فكرتيني بصديق ألماني - الله يمسيه بكل خير - لما نزل مصر أول مرة سألني لما شاف أتوبيس زحمة : هما ليه الناس دول واقفين على باب الأتوبيس ومش بيدخلوا يقعدوا جوه ؟؟
    ههههههههههههههههههههههههههههههه

    حمدت ربنا أنه شاف اللي ع الباب بس ما شافش اللي متشعبطين من تحت
    هههههههههههههههههههههههههههههه

    تحياتي يا أستاذة على مرورك الكريم وتعليقك الجميل نورتينا والله :))

    ردحذف
  18. افكار مبعثرة

    :))

    متشكر جداً لذوقك يا أستاذة ربنا يكرمك يا رب ويجازيكي كل خير إن شاء الله :))

    أنا باقترح في ظل أزمة البنزين اليومين دول وإضراب سواقين النقل العام ، إن كل مواطن يشيل أخوه المواطن ويروح بيه الشغل في سكته على أن يقوم المواطن اللي اتشال بشيل المواطن اللي شاله في العودة :))

    فيه واحد جارنا تخين (فيل صغنن) ممكن ياخد خمسة جنيه ويوصلني الصبح أنا والمدام وممكن كمان أحمله طلبة مدارس العيل بخمسة وسبعين قرش هههههههههههههههههههههه

    شرفتينا بتعليقك الجميل ومرورك الكريم

    أطيب تحياتنا

    ردحذف
  19. rona ali

    :))

    أنا لو ساكن جنب الموقف ده أنا أعمل أحلى شغل .. يعني مثلاً أشتري علبة نعناع منتهي الصلاحية وأمر ع الركاب أحدفهم بيه في خلقتهم : معايا نعناع يجلي الفم يعطر السنان يمنع الكحة والنهجان يمنع ريحة السجاير والدخان يدوخ البنات ويعلق النسوان .. أيوة حد تاني هنا عاوز نعناع :))
    وأهو منه أركب ببلاش ومنه مشروع مربح :))

    شرفتينا بمرورك الكريم وتعليقك الجميل
    :))
    أطيب تحياتنا

    ردحذف